قال الشيخ ابو العباس أحمد بن العريف الصنهاجي في بيان لمقامات السادة الصوفية.
المعرفة محجتي و العلم حجتي، فالعلماء لي و العارفون بي، و العارف يستدل بي، و العالم يستدل لي.
علا العباد بالأعمال، و المريدون بالأحوال، و العارفون بالهمم، و الحق وراء ذلك كله، ليس بينه و بين العباد نسبة إلا العناية، و لا سبب إلا الحكمة، و لا وقت غير الأزل، و ما بقى فمحي و تلبيس.
فالأعمال للجزاء، و الأحوال للكرامات، و الهمم للوصول. و إنما يتعين الحق عند اضمحلال الرسوم. فالإشارة نداء على رأس البعد و بوح بعين العلة.
و العلم على القلوب كالأستار على الغيوب و ما سوى الحق حجاب عنه. و لولا ظلمة الكون لظهر نور الغيب، و لو لا فتنة النفس لارتفعت الحجب، و لولا العلائق لانكشفت الحقائق، و لولا العلل لبرزت القدرة، و لولا حظ باق لأحرق الإشتياق الأرواحَ، و لولا حظ التكليف لصفت المعرفة، و لولا الطمع لرسخت المحبة، و لولا توهم العبد لشوهد الرب. فإذا انكشف الحجاب يحسم هذه الأسباب و ارتفعت العوائق بقطع هذه العلائق حينئذ.
بذلك سر طال عنك اكتتامه
و لاح صباح كنت أنت ظلامه
فأنت حجاب القلب عن سر غيبه
و لولاك لم يطبع عليك ختامه
فان غبت عنه حل فيه وطنبت
على منكب الكشف المصون خيامه
وجاء حديث لا يمل سماعه
شهي إلينا نثره ونظامه
إذا ذكرته النفس طاب نعيمها
وزال عن القلب المضنَّى غرامه.